غونتر غراس

وُلد غراس في مدينة دانتسيغ عام 1927، ونشأ في بيئة متأثرة بالتوترات القومية والسياسية في أوروبا. خلال مراهقته، التحق لفترة قصيرة بصفوف الجيش الألماني في الحرب العالمية الثانية، وهي تجربة ستترك أثرًا عميقًا في وعيه الأدبي والسياسي. بعد الحرب درس الفنون الجميلة وعمل نحاتًا ورسّامًا، قبل أن يتجه إلى الكتابة الأدبية. لم يكن غراس مجرد روائي، بل كان أيضًا مثقفًا وناشطًا سياسيًا بارزًا. شارك في النقاشات العامة في ألمانيا، ودافع عن الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، كما انتقد النزعة الاستهلاكية والرأسمالية المتوحشة. ارتبط بالحزب الاشتراكي الديمقراطي، وكان صوته حاضرًا في كل القضايا الكبرى، من إعادة توحيد ألمانيا إلى السياسات الدولية.

صدرت روايته الأولى “طبل الصفيح” عام 1959، فكانت صدمة أدبية بامتياز. بطل الرواية “أوسكار” طفل يرفض النمو ويعبّر عن احتجاجه على عالم الكبار عبر قرع الطبول، في صورة رمزية قوية عن التمرد والذاكرة الجمعية للشعب الألماني. اعتُبرت الرواية جزءًا من ما عُرف بـ ثلاثية دانتسيغ التي شملت أيضًا “القط والفأر” و”سنوات الكلاب”. هذا العمل وضع غراس في واجهة الأدب العالمي، وأصبح رمزًا لما بعد الحرب، حيث سعى الأدب الألماني إلى مواجهة ماضي النازية وتحمل المسؤولية التاريخية.

عام 1999 منحته الأكاديمية السويدية جائزة نوبل للآداب، واعتبرت أن أعماله تمثل “مرآة للتاريخ المظلم والمعقد للقرن العشرين”، وأنه قدّم من خلال رواياته وأشعاره ومقالاته صوتًا أخلاقيًا لا غنى عنه.

في سنواته الأخيرة أثار غراس جدلاً واسعًا بعد إعلانه أنه خدم في قوات الـ SS النازية وهو شاب، الأمر الذي اعتُبر تناقضًا مع مواقفه النقدية اللاحقة. كما واجه انتقادات بسبب مواقفه السياسية الحادة تجاه إسرائيل والسياسة الغربية. ومع ذلك، ظلّ شخصية بارزة ومؤثرة في الفكر والأدب العالمي.