“نعم، يا كلّ العالم من أين جئت ولماذا جئت وجئت كما جئت بالصيغ التي بها جئت دون كل الصيغ الأخرى؟ هل الصيغ التي بها جئت دون كل الصيغ الأخرى؟ هل الصيغ التي بها جئت هي أجمل أو أذكى أو أقوى أو أكرم أو أنظف أو أنفع أو أعظم أو أنقى أو أشرف أو أنبل الصيغ أم هي كل الصيغ التي يمكن تصوّرها وتقبلها والتعامل بها ومعها والتي يمكن أن تكون وإلا فلماذا جاءت أو جيء بها دون كل الصيغ الأخرى؟ هل في هذه إرادة لكل التعذيب والتحقير أم لكل التكريم والإسعاد؟ أليس هذا سؤالاً يجب أن يسأله كل أحد بكل اللهفة والحماس والغضب والحيرة والانفجاع بل أن يهتف ويُصلّي ويغني؛ بل ويناضل ويقاتل به كل أحد؟ فهل وجد أو يمكن أن يوجد من يوجه إليه هذا السؤال الذي هو كل الأسئلة وأعظم من كل الأسئلة بل من يحاسب ويحاكم به أمام كل المحاكم والشرائع والأديان والمذاهب والنظم والقوانين والأخلاق والعقول لأن ما حدث هنا هو خروج وعدوان على كل ذلك وإهانة وتحقير وتشويه وتصغير وتسفيه وتعذيب له؟ يا كُلّ العالم ما أعظم وأروع ابتكاراتك واختراعاتك وإنجازاتك ولكن ما أصغر وأخسر وأقبح وأسفه وأتفه وأرذل مجيئك ووجودك وحياتك وممارساتك ونياتك وشهواتك ومجاعاتك وعلاقاتك وسفاهاتك واحتياجاتك وضروراتك ومخاصماتك وبداياتك ونهاياتك وذهابك وبقائك… وذهابك بعد مجيئك! ما أعظم وأكبر وأكثر ما فعلت وتفعل ولكن ما أصغر وأتفه وأردأ حوافزه وأهدافه وبداياته ونهاياته وأسبابه… ما أضخم العمل ولكن ما أصغر وأقبح المعنى!”.
بركان غضب المؤلف يقذف بالاحتجاجات والتساؤلات دون هوادة دون أن تتوقف عند نقطة أو فاصلة أو إشارة تعجب أو تساؤل يمضي المؤلف بغضبه ويمضي غضبه به والذي مصدره واقع الإنسان وهو يشير إلى أن دعواته احتجاجاته ورؤاه في هذا الكون وفي هذا الإنسان العربي بصورة خاصة، بكل ما فيها من سوداوية وتخبط وأوهام وتعقيدات، يشير إلى أن ذلك ليس بدعوة منه إلى التشاؤم أو إلى الموت بالاختيار، فالقارئ لن يتشاء أو يموت بالقراءة أو بالدعوة أو بالإقناع والحوار أو حتى بالاقتناع، ولكن يرى أن ما صدّره في كتابه هذا ليس سوى عوة منه إلى رؤية الذات وقراءتها ومجاوبتها متسائلاً هل باستطاعة كل العالم أن يسأل هذا (يا كل العالم من أين أنت) هل يسمعه أو يقرأه أو يفسره أو يفهمه أو يحاسب أو يحاكم وجوده وكل كينوناته وحضاراته وإبداعاته… دون أن يصرخ بكل لغاته وحسراته وانفجاعاته: لا، لا… لا أريد لا أقبل ولا أستطيع….
الوزن | 556 جرام |
---|---|
اسم المؤلف | عبد الله القصيمي |
عدد الصفحات | 784 |
سنة النشر | 2010 |
الطبعة | 1 |
اسم دار النشر | الجمل |
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.