Shop

مثل كولومبس، أبحر رامبو باحثاً عن طريق جديد إلى الأرض الموعودة. أرض الشباب الموعودة، في فتوته البائسة تغذى على الكتاب المقدس، وأمثال “روبنس كروزو” من الكتب التي كانت تقدم إلى الأطفال لقراءتها. وكان الكتاب الذي شغفه أكثر من سواه، بعنوان “الإقامة في الصحراء”. مصادفة فريدة، أن يقيم في الصحراء، حتى وهو طفل، هذه الصحراء التي ستغدو جوهر حياته. أتراه رأى نفسه، حتى في ذلك الزمن البعيد، وحيداً، بعيداً، منقطعاً على صخور الشاطئ، متخلياً عن تمدنه؟ إن كان أحد يرى بعينه اليمين، وعينه الشمال، فهو رامبو.

والحديث بالطبع عن عيون الروح، بإحداهما كانت له القدرة على النظر عبر اللانهاية، وبالأخرى كانت له القدرة على النظر عبر “الزمن والمخلوقات” كما هو وارد في “الكتاب الصغير للحياة الكاملة”. لكن يقال “إن عين روح الإنسان، هاتين، لا تستطيعان القيام بعملها في وقت واحد. فإذا نظرت العين اليمين في اللانهاية، فعلى العين اليسار أن تغمض نفسها، وتمتنع عن أداء عملها، كما لو أنها ميتة. فهل أغمض رامبو العين الخطأ؟ وإلا فكيف يفسر فقدانه الذاكرة؟ وتلك الروح الأخرى التي تدّرع بها ليحارب العالم، هي جعلته محصناً؟ حتى وهو مسلح كالسرطان. لم يكن صالحاً للجنة، ولم يكن صالحاً للجحيم أيضاً. لم يكن يمكنه، في أي ظرف، أو ميدان، أن يرسو طويلاً. كان ينال موضع إبهام، ولا يجد موضع قدم، وكأنما الأرواح الشريرة تطارده، فهو موضوع من طرف قصي إلى آخر. في بعض النواحي، كان غير فرنسي… قدر ما أمكنه أن يكون. لن لا أشد من لا فرنسيته، حين يتعلق الأمر بالشباب. كان يقسم بالتصرف الغير لليسار الذي يكرهه الفرنسيون.

كان منافياً، مثل محارب من الفايكنج في بلاط لويس الرابع عشر. “خلق طبيعة جديدة، وفن جديد. فتطابق معها” هما كما قيل، مطمحا رامبو. لقد شرح رامبو في رسائله من أفريقيا، كيف يستحيل عليه استئناف حياة الأوربي واعترف حتى بأن لغة أوربا صارت غريبة عنه، في الفكر والكينونة كان أقرب إلى “ايستر آيلاند” منه إلى باريس، أو لندن، أو روما. والطبيعة الوحشية التي أبداها منذ الطفولة. نمت كثر فأكثر، مع السنوات. وكانت أكثر كشفاً عن نفسها في مساوماته وتنازلاته، مما في تمرده. ظل، دائماً، اللامنتمي، يلعب لعبة وحيداً، محتقراً الطرق والأساليب الملزم باتباعها، مبدياً رغبته في تطواف العالم متشرداً، لا في الاستيلاء عليه. في فرنسا كان الاحتفال بالذكرى المئوية لميلاد رامبو مثيراً، إذ دعي كتاب مشهورون، من مختلف أنحاء العالم، ليحجّوا إلى “شارلفيل” مسقط رأس رامبو.

الوزن 198 جرام
اسم المؤلف

هنري ميلر

اسم المترجم

سعدي يوسف

عدد الصفحات

160

سنة النشر

2010

الطبعة

1

اسم دار النشر

الجمل

المراجعات

لا توجد مراجعات بعد.

كن أول من يقيم “رامبو وزمن القتلة”

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

رامبو وزمن القتلة
This website uses cookies to improve your experience. By using this website you agree to our Data Protection Policy.
Read more