يقول العارف بالله صدر الدين محمد الشيرازي بأنه مما لا شك فيه أن أفضل العلوم الإلهية هو معرفة الحق الأول، ومرتبة وجوده بما له من صفات كماله ونعوت جماله وكيفية صدور أفعاله، وأنها كيف ابتدأت الموجودات البادئات منه وكيف عادات العائدات البائدات إليه.
وأن أفضل العلوم الطبيعية معرفة النفس الإنسانية، وإثبات أنها كلمة نورية وذات روحانية وشكلة ملكوتية، وبيان أنها لا تموت بحوت البدن، وأنها كيف تستكمل حتى تضاهي جواهر الملائكة بأن “تصير عالماً عقلياً منتعشاً فيها على سبيل القبول ما هي منتقشه في المبادئ على سبيل الفعل، وأنها كيف تتحد بالعقل الفعال، وكيف تصير معقولاته فعلية بعدما كانت إنفعالية، ومعنى كون العقل الهيولاني مجمع البحرين وملتقى الإقليمين، حيث هو نهاية الجسمانيات وبداية العقليات، وكيفية السعادة والشقاوة الحقيقيتين وما هما ليسا بحقيقيتين بل طنيتين.
فإن معرفة النفس وأهوالها أم الحكمة وأصل السعادة، ولا يصل إلى درجة أحد من الحكماء من لا يدرك تجردها وبقائها على اليقين كإخوان “جالينوس” وأن ظنهم الجاهلون حكماء، وكيف صار الرجل موثوقاً به في معرفة شيء من الأشياء بعدما جهل بنفسه؟ كما قال أرسطاطليس: “إن من عجز عن معرفة نفسه فأخلق به أن يعجز عن معرفة خالقه”؛ فإن معرفتها ذاتاً وصفة وفعلاً مرقاة إلى معرفة بارئها وصفة وفعلاً، لانها خلقت على مثاله، فمن لا يعرف علم نفسه لا يعرف علم بارئه.
وفي الحديث المروي عن سيد الأولياء عليه السلام: “من عرف نفسه فقد عرف ربه”، إيماء إلى هذا المعنى، يعني من لم يعرف نفسه لم يعرف ربه وقوله تعالى – في ذكر الأشتياء العبداء عن رحمته (نسوا الله فأنسهم أنفسهم) بمنزلة عكس نقيض لتلك القضية، إذ تعليقه جلّ وتعالى، نسيان النفس بنسيان ربها تنبيه للمستبصر الذكي على تعلق تذكره بتذكرها ومعرفته بمعرفتها…
وبالجملة في معرفة النفس يتيسر الظفر بالمقصود، والوصول إلى المعبود، والإرتقاء من هبوط الأشباح إلى شرف الأرواح، والصدد من حضيض السافلين إلى أوج العالمين، ومعاينة الجمال الأحدي، والفوز بالشهود السرمدي.
من هنا، رأى العارف بالله الشيرازي تأليف كتابه هذا الذي اشتمل على فنين كريمين، هما أصلاً علمين كبيرين وثمرتاهما وغايتاهما، ويعني بذلك: فن الربوبيات المفارقات المسمى بـ”أثولوجيا” من العلم الكلّي والفلسفة الأولى، وعلم النفس من الطبيعيات؛ “فإنهما من المقاصد التي هي أساس العلم والعرفان، والمطالب التي يضر الجهل بها في المعاد للإنسان، كما يشهد به جميع الأمم الفاضلة السابقة واللاحقة إلى هذا الزمان، ويحكم به العقول الذكية، والنفوس الخبيرة، من أولي الدراية والعرفان”.
الوزن | 1272 جرام |
---|---|
اسم المؤلف | صدر الدين الشيرازي |
تحقيق | محمد ذبيجي |
عدد الصفحات | 624 |
سنة النشر | 2012 |
الطبعة | 1 |
اسم دار النشر | الجمل |
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.