Shop

تؤلف بلاد آشور في الشمال وبلاد بابل في الجنوب معاً بلاد ما بين النهرين، الأرض التي تقع بين النهرين العظيمين دجلة والفرات، والتي هي مصدر الخصب الذي أثار إعجاب الرحالين عبر التاريخ.

ولكن في الوقت الذي كانت فيه مصر، وهي بلد مثل بلاد الرافدين، تعتمد كلية على الري وتوصف بأنها هبة النيل، ذلك أن النهر الذي تفيض مياهه بالبركة كل سنة على البلاد في صفة رديعة من الغريق، فعلى النقيض من ذلك كانت الفيضانات الواسعة في بلاد الرافدين، لنهري دجلة والفرات وبسبب طبيعة الأرض التي يجري فيها النهران، تصبح من الكوارث بكل يسر إلا إذا تم الإحتفاظ بها تحت الرقابة الصارمة.

فالنهران ينبعان من مرتفعات أرمينيا، وكلاهما يجريان بقوة مدمرة، ويشقان قنواتهما عبر الجبال، ويجرفان ويصقلان كتل الصخور التي تعترض بحراهما العنيف، وما أن يذوب الجليد وتفيض الأنهار حتى تطفى المياه على السهل مخلفة الدمار في كل شيء أثناء مسيرتها، ولقد استطاع سكان بلاد الرافدين منذ أقدم العصور أن يسيطروا على هذا التهديد الذين يتعرضون له كل سنة، وذلك بالطريقة الطبيعية لتنظيم فيضان الماء، بواسطة شبكة من القنوات التي كانت في الوقت ذاته تروي التربة، وتؤلف أيضاً مياها صالحة للملاحة تستطيع أن تنقل المزيد من الحمولة مثل طرق القوافل تماماً.

بهذه الوسائل يتم خفض رأس الماء الهائل الذي يؤلفه النهران، فلا يحدث سوى القليل من الأضرار، بينما تستمر أحواض النهر في تدفقها متعقبة ذات القنوات، فلولا بعض إجراءات من هذا النوع، لتغيرت حدود البلاد بشكل غير متوقع كل سنة.

ومثل هذا الأمر مهم جداً، لأنه ما إن تتخلّف الجبال وراء التربة التي تتألف جزئياً من الغرين الذي توفره الفيضانات، فإن هذه التربة تتفكك بصفة نسبية وتصبح عرضة للتحول تحت ضغط الماء، فعلى مقربة من الخليج العربي، تكون التربة برمتها غرينية.

فهناك أهوار واسعة حيث تبدأ الدلتا بالتجاوز على الخليج كل سنة، ففي العصر الذي يتناول فيه هذا الكتاب الحياة اليومية في بلاد بابل وآشور، كان الخليج العربي يمتد إلى الشمال أبعد مما هو عليه الآن، ذلك أن نهر شط العرب لم يكن قد تكون بعد، وأن كلاًّ من نهري دجلة والفرات كان يصبان على إنفراد في البحر.

ونظراً لسعتها العظمى ولحقيقة أن الجبال في الشمال عالية وأن أرض الجنوب منبسطة، فقد أصبح جزءاً بلاد الرافدين يختلفان إختلافاً كبيراً، فقد روضت الجبال حرارة الجو في الشمال، وأدت في القسم الأعلى من بلاد وآشور إلى ظهور نباتات تشبه بصفة عامة ما هو موجود منها في أوروبا الغربية.

أما من حيث السكان في بابل وآشور فقد كان البابليون والآشوريون أفراد من طائفة سامية عرقية، لكنهم بمضمون في ما بينهم بعض العناصر الأجنبية الممثلة أصلاً بالناس المعروفون الآن بإسم الآسبانيين، وتتمثل أقدم الأمثلة لهذه الطائفة بالسومريين (الذين يعتبرون على أكثر إحتمال عنصراً متمديناً في بلاد الرافدين) والحيثيين الأصليين في آسيا الصغرى والحوريين الذين كانوا يقطنون شمال بلاد آشور وشرقها، والأعراق التي كانت تمتد على إمتداد جبال زاغروس من القفقاس إلى عيلام.

لقد كان البابليون والآشوريون، وكما ذكرنا آنفاً، يؤلفون طائفة واحدة هي طائفة الأكديين، وهم ينتمون إلى القرع السامي الذي تتمثل خصائصه النموذجية بالأنف الأقنى والجمجمة العالية المقببة، أما عبادة آلهة الكواكب، فهي مظهر مهم للديانة السامية، ففي بداية العصر التأريخي في بلاد الرافدين، امتزج الساميون والسومريون إمتزاجاً كبيراً، قد استقرت أكثرية الساميين غرب القسم الأعلى من سوريا حيث شنوا هناك غزواتهم على أواسط بلاد الرافدين وجنوبها، والتي كانت في ذلك العصر تؤلف بلاد سومر.

وأخيراً، وفي العصر الذي يتحدث فيه المؤلف في دراسته هذه، وعلى وجه الدقة، اتخذت موجات جديدة من الساميين، الذين عرفوا بإسم الآراميين والذين كانوا من البدو في وقت لاحق لا يمكن تذكره، طريقها إلى داخل بلاد الرافدين بأعداد كبيرة إلى درجة أنها كانت تؤلف عنصراً مهماً في سكان هذه البلاد.

لقد استعار الساميون أول الأمر عناصر من مدينة بلاد الرافدين، ومن ثم اختاروها لكي تطابق عبقريتهم، وكان العنصر الثالث المميز في غرب آسيا، هو العنصر الهندي الأوروبي؛ ويبدو أن هذا العنصر قد بسط تأثيره ليس عن طريق حجمه الحقيقي، وإنما عن طريق دوره كقائد للغزوات المتوالية التي كان الآسيون يشنونها من ناحية الشرق طيلة عصر تاريخي.

أما اللغة التي كان يتحدث بها في بلاد آشور وبلاد بابل معاً فهي اللغة الأكدية، ويتميز شكلاً اللغة بصفة عملية في القواعد والمفردات، وربما يختلفان إختلافاً ملحوظاً أكثر في طريقة التلفظ، ولكن في العصر الآشوري المتأخر والبابلي الحديث، أهملت اللغة الأكدية ذاتها، وأخذت اللغة الآرامية، التي كانت الشعوب المحيطة ببلاد الرافدين تتحدث بها، تنتشر في كل أرجاء البلاد.

تلك هي السمات العامة لبلاد وسكان بابل وآشور التي مضى الباحث في دراستها مولياً إهتمامه لتاريخ هذه البلاد في الفترة 700- 500 قبل الميلاد، حيث شملت هذه الدراسة سجل الوقائع التاريخية وتركيب المجتمع والعائلة والبيت ليشمل ذلك إضاءة واسعة كل هذه المكونات في مجتمع تلك البلاد وتفصيل لكل جزئياته بما يعني ذلك وصفاً مفصلاً ودقيقاً لحياة الفرد ضمن الحياة العائلية من عادات وتقاليد، وللمجتمع بكل مقوماته الإنسانية والعمرانية والسياسية والدينية والإقتصادية والفنية وبما يتضمن آليات الكتابة والفنون والأساطير التي تميزت بها تلك الشعوب.

الوزن 606 جرام
اسم المؤلف

جورج كونتينو

اسم المترجم

سليم طه التكريتي / برهان عبد التكريتي

عدد الصفحات

568

الطبعة

1

سنة النشر

2015

اسم دار النشر

منشورات الجمل

المراجعات

لا توجد مراجعات بعد.

كن أول من يقيم “الحياة اليومية في بلاد بابل وآشور”

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الحياة اليومية في بلاد بابل وآشور
This website uses cookies to improve your experience. By using this website you agree to our Data Protection Policy.
Read more