قاعدة – إشارة إلى كيفية تخلص النفس إلى عالم الحق وأموال السالك وما يتلقى من المعارف والأنوار: القوة الفكرية إذا اشتغلت بالأمور الروحانية، وأقبلت على المعارف الحقيقية فهي الشجرة المباركة؛ لأنها ذات أغصان الأفكار يتوصل بها إلى نور اليقين، كما ورد في التنزيل فيه مثنى وهو قوله: (الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً)…
“الشجر” هو الفكر، و”خضرته” هي إيقاده لمسالك النظر وإنصرافه بالتّعوّد إلى عالم القدس يثنيه قوله: (أفرأيتم النار التي تورون) أي الثواني العلمية والنفحات القدسية التي يتوصلون إليها من الأوائل (ءأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون)، ويؤيد هذا مثنى آخر وهو قوله: (وشجرة تخرج من طور سيناء) هو الأفق العقلي إلى أن تستعدّ النفس للوميض القدسي وإشتعال مصباح اليقين ونارية السكينة في النفس بالمعارف، خبزهم هو خبز الملائكة – الذي أشار إليه فيثاغورس في رموزه، وداوود في مزاميره وأدمهم الانوار المبرقة.
وقد أشير إلى هذه الشجرة حين قيل (يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية) أي ليست عقلية محضة (ولا غربية) أي ليست هيولانية محضة، وهي بعينها شجرة موسى التي سمع منها النداء (في البقعة المباركة من الشجرة)، وقوله (ولو لم تمسسه نارٌ) هذه النار هو الأب القدس وروح القدس – وهو النار التي جاءت في قوله: (أن بورك من في النار) أي المتصلين بها (ومن حولها) أي المحبين للمتصلين بها، ونفوسنا مصابيح اتقدت من هذه النار المقدسة العظيمة، فهذا المثنى يشير إلى هذه النار المقدسة.
وجاء مثنى في حقّ موسى عليه السلام (إذ رأى ناراً فقال لأهله امكثوا إني آنست ناراً) أشار إلى ترك أهله أي حواسه الظاهرة والباطنة كما قيل: (اخلع نعليك)، ويثني (رأى ناراً) قوله: (آنس من جانب الطور)، وقوله: (آتيكم بشهاب قبس)، وقوله: (من حولها) يثنيه قوله تعالى: (آتيكم منها بخبر)… فالقبس للمصطلحي والخبر “من حولها”.
انظر إلى إعجاز الوحي الإلهي وضربه الأمثال بالإشارة إلى النفس وأحوالها بالأمور المحسوسة، وتفهيم المعقولات بأمثالٍ حسيّة، كما ورد مثنى في قوله: (وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون) يثنيه قوله: (ويضرب الله الأمثال للناس) ومثنى آخر (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) يثنيه قوله (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم)…
يشير إلى أن عجائب العالم الأكبر توجد أمثالها في العالم الأصغر الذي هو الإنسان، ومثنى آخر وهو قوله: (ولقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم)… يشير إلى أن أمور الوحي إشارات إلى العالم الأصغر وأحواله، يثنيه قوله: (وكلا نقصّ عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين)…
تاتي هذه القاعدة في اللوح الأول الذي يأتي ضمن الألواح الأربعة أو الألواح العمادية التي هي من المؤلفات الفلسفية والصوفية لشيخ الإشراق شهاب الدين السهروردي وهو يقول في فاتحة هذا الكتاب، معرفاً عنه بالقول: وبعد، فإنه لما توارت لديّ مكاتبات الملك العادل المظفر المنصور، عماد الدين، سيد ملوك آمد وديار بكر، قرازسلان بن داوود بن أرتق، نصير أمير المؤمنين…
وقد أمرنا بتحرير عجالة شديدة الإيجاز، بيتّة الإعجاز، يتضمن ما لا بد من معرفته في المبدأ والمعاد، على ما يراه متألهه الحكماء وأساطين الفضلاء، فبادرت إلى إمتثال رسومه وتحصيل مطلوبه، وقد كنت صادقت مختصرات صنفها بعض المتأخرين لأمراء زمانهم وملوك أيامهم، وسمعت أنهم ما انتفعوا بها، لأنهم ذهلوا عن مصلحة التعليم وطريقة التفهيم… فرأيت أن أقرب الإصطلاحات إلى الفهم في مواضع لا تختل بها القواعد الكلية والمطالب الأصلية.
وسميته الألواح العمادية فيها جملاً من اللطائف، ولمعاً من الغرائب… وبرهنت فيه على المباني، ثم استشهدت بالسبع المثاني، فأثبت في الأصول الكلية معنىً معنىً، وعقبته بشهادة مثنىً مثنى، وغرضنا منه ينحصر في مقدمة وأربعة ألواح…
المقدمة وقد جاءت في أموم كالعام (الكلي) والمتشخص (الجزئي) والماهية ولوازمها والجوهر والعرض (الهيئة) والجسم والجوهر الفرد، اللوح الأول دار حول إثبات تناهي الأبعاد وفي طرف من السماء والعالم وفي بسائط العنصريات وما يحدث منها، وجاء اللوح الثاني حول النفس وإشارة خفيفة إلى قواها، واللوح الثالث في إثبات واجب الوجود وما يليق به من صفات الحلال وتعدت الكمال.
وأما اللوح الرابع فقد جاء في النظام والقضاء والقدر وبقاء النفوس والسعادة والشقاوة واللذة والألم وآثار النفوس وفيه قواعد، ويلي ذلك كلمة التصوف، واللمحات.
الوزن | 420 جرام |
---|---|
اسم المؤلف | شهاب الدين السهروردي |
تحقيق | الدكتور نجفقلي حبيبي |
عدد الصفحات | 360 |
الطبعة | 1 |
سنة النشر | 2014 |
اسم دار النشر | منشورات الجمل |
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.